الأخوان لوميير وتصوير الحركة

الأخوان لوميير وتصوير الحركة

"إذا كان هناك من جمالية للسينما , فقد اكتشفها الأخوان لوميير مع آله التصوير والفيلم فى فرنسا , بوقت واحد , وهى تتلخص فى كلمة واحدة "حركة " ..... رينيه كلير
لا أحد ينكر أنه بدون الأخوان أوجست ولويس لوميير , لما افرج عن الصور المتحركة من السجن الذى كان قد أغلقه عليها أديسون فى جهازه `آلة العرض الكينتوسكوب , والذى أصر على أنها جهازا للفرد وليس للجماعة , ولم يبذل جهدا فى جعلها آلة للعرض على شاشة أمام جمهور . . ولذلك كان أمامهم هدفاً واحداً هو عرض الصور المتحركة على شاشة كبيرة .
فلما كان عام 1895 كانا قد انتهيا من صنع آلة العرض وآلة التصوير معا . وقد أسمياها سينماتوغراف Cinematograph , وكان ذلك إرهاصا بالكلمات التى ستنتشر فى العالم فيما بعد كناية عن الصور المتحركة وهى Cinema , المأخوذة عن اليونانية .
آلة تصوير لوميير
آلة عرض لوميير
 


 
كان اهتمام الأخوان لوميير موجها نحو تسجيل " الحركة " , فكان أى شئ يتحرك يصلح موضوعا لأفلامهم . وبدءوا عملهم بأن وضعوا آلة التصوير فى الهواء الطلق , يثبتونها على الحامل ويستمرون فى التصوير حتى ينتهي الفيلم الخام , فيلتقطون صورا متحركة بواسطة آلة السينماتوغراف وبسرعة 16 صورة في الثانية لأي شئ يروق لهم منظره : عمال يغادرون المصنع ـ قطار يصل إلى المحطة ـ طفل على مائدة الطعام ـ رجال يلعبون الورق . ولم يكن يتجاوز طول أى من هذه الأفلام خمسون قدما ـ وهو نفس طول الشريط المتصل الذى كان يستخدمه أديسون فى جهازه (الكينتوسكوب) ـ ليتم عرضها بواسطة آلة السينماتوغراف أيضا .
كان أول أفلام لوميير فيلم " الخروج من المصنع" , عن خروج العاملات والعمال من المصنع بعد انتهاء العمل , حيث نرى فيه العاملات بتنانيرهن ذوات الذيول المتهدلة وقبعاتهن التى علاها الريش , ونرى العمال يدفعون بأيديهم دراجاتهم , ويأتي بعض أرباب العمل و قد ركب كل منهم عربه مكشوفة يجرها جوادان , يعقبهم مباشرة حراس المعمل ليغلقوا الأبواب وراءهم .

فيلم عمال يغادرون المصنع
 
وفي فيلم " وصول قطار " نرى أولا المحطة فارغة (منظر عام ) مع حمال يمر على الرصيف بعربته , ثم تظهر فى الأفق نقطة سوداء .... تكبر بسرعة .. ثم تشغل القاطرة كل الشاشة وتسير مندفعة فى اتجاه المتفرجين , حتى أن ذلك يثير ذعرهم خشيه الدعس تحت عجلاته فيجعلهم يقفزون من أماكنهم . فلم يكن فى مقدورهم التمييز بين الصورة والواقع . وقد شجع الحس بواقعية الحدث بشكل خاص , عند مشاهدي السينما الأوائل , بتلك الانفعالات التى تتصف دون شك بالبدائية.
وهكذا وللمرة الأولى فى تاريخ السينما اتحدت رؤية الإنسان ورؤية الآلة . وأصبحت الكاميرا للمرة الأولى عنصرا دراميا , وأصبحت شخصا من شخصيات الرواية . وقد أستعمل لوميير فى هذا الفيلم كل إمكانيات عدسة ذات عمق ميدان كبيرـ فقد كان جهازه يعطى صورا دقيقة التفاصيل من متر (منظر كبير جدا ) إلى ما لا نهاية ـ وتنحصر أهمية هذا الفيلم فى أن جميع اللقطات المختلفة من لقطه عامه (القطار الذى يصل إلى الأفق ) إلى لقطة قريبه ( عندما ملأ القطار الشاشة ) هى مازالت مستعملة الآن فى السينما الحديثة . إلا أن هذه اللقطات لم تكن عبارة عن كادرات منفصلة أو متقطعة كما هو متبع الآن بل هو مرتبط بنوع من الترافلينج المعكوس , بمعنى أن الكاميرا لا تنتقل إلى الأشياء , ولكن الأشياء هى التى تقترب أو تبتعد منها , ومن الواضح بعد ذلك أن الكاميرا فى تصوير هذا الفيلم ثابتة لا تتحرك . وهكذا نرى أن هذا التغيير الدائم فى نقطة الرؤية يتيح لنا بأن نستخرج من الفيلم مجموعة من الصور تختلف تبعا للأحجام المتتابعة فى المونتاج الحديث .




فيلم قطار يصل إلى المحطة
 
أما فيلم " طفل على مائدة الطعام " فلم يكن إلا تسجيل لحركة أب يقوم بإطعام طفله الصغير , فى حين تظهر وهى تجلس الأم بجوارهم تشرب الشاى .

فيلم طفل على مائدة الطعام
 
أما فيلمه " البستاني " فلم تكن جودة حرفيته بدرجة فيلم " وصول قطار " إلا أنه أول فيلم أظهر التحكم فيما يدور أمام آلة التصوير . فقد اعتمد نجاحه على السيناريو الذى أعد له من قصة طريفة تتلخص فى " أن يضع صبى صغير قدمه على خرطوم أثناء رش البستاني لحديقته فيحتار البستاني من انقطاع المياه فينظر فى فوهة الخرطوم وهنا يرفع الصبي قدمه فتنطلق المياه فى وجه البستاني ويطارد البستاني الصبي ويضربه " العلقه " التى يستحقها . وقد تم تنفيذ الفكرة بهذه الطريقة لتحظى باهتمام المتفرج إلى جانب توافر الحركة فيها . وقد اعتبر هذا الفيلم أبا لكوميديا الفن السينمائي .

 
ويعتبر فيلما "وصول قطار, والبستاني " أشهر أفلام الأخوان لوميير لأنهما يتسمان بإمكانيات طورت وأسست جذور الفن السينمائي .
كما قاموا أيضا بتصوير فيلم " حارقات العشب " الذى لاقى نجاحا كبيرا بسبب منظر الدخان المتصاعد الذى يعطى العرض السينمائي المتحرك عمقا , وفيلم " مركب خارج من المرفأ " الذى يعتبر نجاحا هائلا فى التصوير الشمسي , ففيه تعطى الإضاءة الخلفية أمواج البحر شكلا بارزا .وقد علق تشارلز فروهمان , المخرج المسرحي , بعد أن حضر أول عرض للسينما توغراف قائلا: ذلك يضع حلا نهائيا لمشكلة المناظر , فالأشجار المرسومة التى لا تتحرك , والأمواج التى لا تعلو بضعة أمتار ثم تتوقف عند هذا العلو , وكل المناظر التى نموه بها على مسارحنا ستختفي. فعندما يستطيع الفن أن يجعلنا نعتقد أننا نرى طبيعة حية فلابد للأشياء الجامدة أن تختفي .
وهكذا كان الأخوان لوميير يستعملون آلة التصوير السينمائي كمجرد جهاز تسجيل لا يتميز على آلة التصوير الفوتوغرافي إلا بتسجيلها لعنصر الحركة . وقد كان هذا يعنى أنه عند تصوير المشاهد لا بد من أن تكون الكاميرا بعيده بحيث يمكنها أن تستوعب الحركة كلها .وكانت هذه المشاهد تعد بأبسط الوسائل الممكنة , أى أنها تسجل فى لقطة واحدة مستمرة , وتستمر الكاميرا فى عملها لتصور المشهد كله دون توقف . وتدور الحركة والأحداث الهامة كلها عمودية عبر الشاشة من اليمين إلى اليسار, أو من اليسار إلي اليمين . وهكذا كانت الكاميرا تستخدم بطريقة آلية لتسجيل مشاهد مسرحية , وكان المتفرج يحس وكأن كل مشهد من هذه المشاهد قد مثل على خشبة المسرح ثم قامت بتصويره كاميرا موضوعة فى مكان منخفض وعلى بعد من خشبة المسرح بحيث تتفق حدود الكادر مع حدود خشبه المسرح تماما. وبهذا يمكن للمتفرج أن يرى كل شئ فى المنظر يبدو مفككا وبعيدا .
 
وفى ليلة الافتتاح للسينماتوغراف " فى 28 ديسمبر 1895 ـ وهو التاريخ الرسمي لنشأة السينما , تحقق أول عرض سينمائي على شاشة ,على مستوى جمهور ضخم بإقبال منقطع النظير , وقد تم هذا فى الصالون الهندي للجراند كافيه بميدان الأوبرا وكانت اللافتة تحمل اسم: « سينما توجرافي لوميير» , وقد عرضت عشرة أفلام تحت عنوان " قصص من الحياة والحقيقة " .
وهكذا استقرت النظريات الأساسية لتصوير الصور المتحركة وعرضها وتطبيقها تجاريا وبذلك ولدت السينما .
شكرا لك ولمرورك
screenmidea page contents